بالوثائق و المستندات نثبت إذا ما
كان النصارى هم سكان مصر الاصليين كما يقولون؟؟
أولاً نحن بالسماحة المصرية المعهودة والتي
عمقها الإسلام نغلق ملف الماضي، ولا نبحثعن أصول أقوام مضى عليهم ما يقرب
من ألفي عام، سواء أكانوا مصريين أم إغريقأم يهود فالجميع اليوم مصريون
ولكن البعض يقوم باستصناع
التاريخ وتزييفه؛ مما يوقعه في التناقض العلمي والتاريخيو لتحديد هويته اختار لنفسه نسبة "إيجي أو إيجه"، أقامها على فكرةأسطورية
تزعم اختلاف الأصل العرقي بين المسيحيين والمسلمين، معتمدًا قراءةتاريخية
مفادها أن المسلمين هم أحفاد الغزاة العرب المتوحشين، وبعد فتحهملمصر
تزاوجوا مع أعداد كبيرة من سكان مصر المسيحيين، بالإضافة إلى تحول جزءآخر من
المسيحيين إلى الإسلام بسبب عجزهم عن دفع الجزية. وهكذاتستمر تلك الرؤية، حتى تخلص إلى أن سكان مصر
الحاليين من مسيحيين همالسكان الأصليون للبلاد، والذين تعود أصولهم
بدون أي «شوائب» عرقية إلىالمصريين القدماء، أصحاب الحضارة الفرعونية،
بينما لا يتمتع مسلمو مصر بهذا
«النسب العريق»
بسبب إختلاطهم.وتمضيالأسطورة حتى تصور القوم أنفسهم، وكلاء عن
شعب مصر في ماضيه وحاضره، كمازينت لهم الأساطير أن شعب مصر كان على ما هم
عليه من اعتقاد اليوم، كماتزين لهم اليوم أعدادًا وأحوالاً وأهوالاً،
ليس لها واقع إلا في أذهانهم.
فماهي الحقيقة؟ وماهي الطبيعة السكانية لمصرفي ذلك الزمان؟ كم كان عدد
المصريين حين الفتح الإسلامي؟
نقاء العنصر
على الرغم من عنصريةالفكرة
وسخافتها، ورفضها دينيًّا وحضاريًّا؛ إلا أنها لا تخدم مسيحييبلادنا
في دعواهم، فقد اختلط المصريون بشعوب شتى من المناطق المجاورة لهم،فلم يكن
كل من كان يعيش في مصر قبل دخول الإسلام من أصل فرعوني، فسكان مصركانوا
عبارة عن خليط من أجناس وأديان وأعراق عدة، وأغلبهم كان من الإغريقواليهود،
بالإضافة إلى أعداد من آسيا الصغرى، وكذلك العرب. يقول المؤرخ د."محمد شفيق غربال"
في كتابه"تكوين
مصرعبرالعصور"، ص (14): (أعنيبالمصري: كل رجل يصف نفسه بهذا
الوصف، ولا يحس بشيء ما يربطه بشعب آخر،ولا يعرف وطنًا له غير هذا الوطن،
مهما كان أسلافه غرباء عن مصر في واقعالأمر)،
ثم يقول في بيانه للأسلاف،ص (27) إنهمالإغريق، واليهود،
ومَن إليهم من الغرباء).يؤكدذلك ما هو ثابت من كون اليهود، والإغريق
كانوا يعملون كمرتزقة في جيش "أبسماتيك الثاني" (593-589 ق.م)، إضافة
إلى أن ملوك الأسرة السادسةوالعشرين، الذين كان أبسماتيك ينتمي إليهم،
ذوو أصول ليبية( 1)، وقد عُرفعصرهم بالعصر الصاوي؛ نسبة إلى "صالحجر".
ويذكر د.مصطفى عبد العليمأن:
(ملوك العصر
الصاوي، كانوا يشجعون الأجانب على القدوم إلى مصر؛ للاشتغال بالتجارة والجندية(2).وقد وقف أولئك اليهود،الذين
كانوا يتمتعون بتمام الحرية، موقفًا سلبيًّا من المصريين حين الغزوالفارسي(525
ق.م) لها،وكذلك حين شاركوا في إخماد ثورة المصريين ضدالفرس(3
)، وأما الإغريق فقد رحبوا " بالإسكندر"،واحتفوا
به حال دخوله لمصر عام (332ق.م)؛ مما أوغر صدور المصريين ضدهم،ولذا لم
يقبلوا الديانة المسيحية التي جاءتهم على يد المبشرين اليهودواليونان. وما أن دخل
"الإسكندر الأكبر" مصر؛ حتى حرص على فتح أبوابها للمهاجرين الإغريق،
خاصة المقدونيين( 4)، وعلى الرغم من قصر
الفترة التي قضاها بمصر، إلا أنها حولت مصر إلى فلك الحضارة الإغريقية.
ثم قام
"بطليموس"
(305ق.م)، من بعده
بإنشاء مدينة جديدة في صعيد مصر؛ ليوطن فيها الجنودالمسرحين المقدونيين ... ومكانها الآن
المنشأة بمحافظة سوهاج، ... وقد أقامهذه المدينة؛ لكي تكون مركزًا لنشر الحضارة
الهيلينية في قلب مصر (5 )وقد فعلالروماننفسالأمر أيضًا؛ فقد كان الجندي بعد أن يقضي
حوالي ربع قرن في الخدمة، يقومبالتوطن في البلاد، وشراء الأراضي، وربما
الزواج أيضًا في أثناء الخدمة،إلا أن الاعتراف القانوني كان يتم بعد
الانتهاء من الخدمة بالجيش. وعندما تعلم أن مصر في عهد
"أوكتافيانوس"،كان بها
ما يزيد على اثنين وعشرين ألف جندي، وأنه انخفض في بعض الأوقاتإلى 16
ألف و11 ألف؛ فلك أن تتخيل كم أولئك الجنود الغرباء الذين استوطنوامصر على
مدار ألف عام؟! ـ 300 عام من حكم البطالمة، 320 عام تقريبًا من حكمالرومان،
325عام الحكم البيزنطي(6).ويذكر "بيللينى": (أن قبائل عربية كانت تعيش في
برنيقى؛ وهي ميناء على البحر الأحمر، يعود الفضل في إنشائها إلى "بطليموس
الثاني")( 7)، إضافة لما ذكره
"سترابون"
من أن مدينة
"فقط"، كانت تعد مدينة عربية. وهكذا،فإن مصر لم تعرف العنصرية منذ القدم، وامتزجت
بسماحتها مع جميع الأجناس،إلا أن الأكثرية كانت لليهود والإغريق
القادمين من جزر بحر إيجة، والذينبلغوا من الكثرة حدًّا جعلهم ينازعون
المصريين في بلادهم، وبخاصة الإغريقالذين قاموا بتغيير اسم البلاد من أرض مصر
إلى أرض "إيجي" ـ إيجبتوس ـ،وكذلك ما تم من تغيير لأسماء المدن، فمثلاً
"إرسنيوي" بدلاً من "الفيوم"،و"بانوبوليس"
بدلاً من "أخميم"، و"هيراكليوبوليس" بدلاً من "أهناسيا"،و"هرموبوليس"
بدلاً من "الأشمونين"، إضافة إلى "نوكراتيس"
و"بطلمية" وغيرهامن المدن؛ مما يبين لك مدى ما كان للإغريق من
غلبة على سكان مصر الأصليين،ويوضح عميق حزنهم وجرحهم من المسلمين حين
فتحوا مصر؛ فعادت لأهلها وفقدواما كانوا عليه من غلبة وتمييز.
كثرة اليهود والإغريق بمصر
تقول
"بتشر":
(أنسكان مصر قبل استيلاء الرومان على عليها؛ كانوا ثلاثة طوائف: اليونانواليهود والمصريين، وأن ذلك كان بسبب موجات الهجرة في العهد البطلمي،
حتىأصبح كل فريق منهم أمة أجنبية
مستقرة في البلاد، ممتازة بشريعتها ولغتها عنسواها(8).ولك أن تتخيل ذلك، عندما تعلم أن المؤرخ
اليهودي'يوسفيوس'ـ يوسف ـ ذكر أن عدد اليهود بمصركان لا يقل عن مليون
نسمة،في عهد"فلاكوس"،
حاكم مصر عام 38م؛ وقد تابعته على ذلك "بتشر" في كتابها "تاريخالأمة
القبطية" (1/، وأضافت في (1/38): (أنه في عام 70م، بعد سقوطالهيكل؛
اقتيد لمصر 97 ألف يهودي، ليعملوا في معادن مصر بالأخص، بالإضافةإلى عدد
غفير تبعهم، رجاء أن يجدوا عونًا لدى يهود مصر الأغنياء).
هذامع العلم أن "يوسفيوس"، قدر عدد
سكان مصر في ذلك الوقت بسبعة ملايين ونصف،أي أن ما يقرب من عشرين بالمائة من السكان
كانوا يهودًا ولم يكونوامصريين. وأماالإغريق
فكانوا أكثر عددًا من اليهود ولم يكونوا يرون أنفسهم أمة أجنبيةكما
تقول "بتشر"، بل منذ دخول الإسكندر لمصر؛ كانوا يرون أنفسهم أهل البلادوأصحابها؛
وقد كانت السلطة تتعامل معهم أيضًا من هذا المنطلق، (فكانوايتمتعون
بجميع أنواع الحريات في ذلك العصر؛ من حمل للسلاح، وعضوية المجلسالبلدي
الشعبي، وغيرها من الحريات)(9 )
أوضاع طبقات المجتمع المصري
وعلى الرغم من أنالإغريق
بعد دخول الرومان إلى مصر 31ق.م، وحتى الفتح الإسلامي قد فقدوابعضًا
من امتيازاتهم؛ إلا أنهم ظلوا في وضع أفضل من جميع السكان، ويليهماليهود،
فكانوا هم أصحاب المناصب والإقطاعات ـ أي الإغريق ـ، وكان يسمح لهمبالانخراط
في الجيش أحيانًا، وكان يتم إعفاؤهم من الجزية، وغير ذلك منالمزايا
على العكس من المصريين الخلص. ولذا حين
دعاهم "المقوقس" إلى مصالحة المسلمين على دفع الجزية أنفوا،
يقول "يعقوب نخلة": (أن "المقوقس" حين دعا قومه لمصالحة المسلمين
على دفع الجزية؛ قالوا له على وجهالإنكار: سنكون عبيدًا لهم؟! فأجابهم بقوله:
نعم تكونون عبيدًا مسلطين في بلادكم، آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم( 10). ولايأنف من دفع الجزية إلا من لم تكن هناك جزية
مقررة عليه، خاصة أنه منالمعلوم أن "المقوقس" كان يدفع للروم تسعة عشر ألف ألف دينار ـ
19مليون ـ،وكان يجبيها من المصريين عشرون مليونًا؛ أما"عمرو
بن العاص" رضي
الله عنه، فقدر مقدار الجزية التي فرضها هو عشرة ملايين. فما الفارق بين أن تدفع
"لعمرو" المسلم، أو تدفع "لهرقل" الهرطوقي،
أو "لكسرى" الفارسي
عابد النار؛ خاصة وأن ما تدفعه " لعمرو" أقل؟
القنبلة المدوية الأن********* ( الهوية الحقيقية لمسيحي مصر )
وهذا يقودنا إلىالحقيقة
المقررة تاريخيًّا وتخفى على الكثير من المصريين، وهي ما يصرح بهكل من
لوفيفر وشميدت وشولتز على أن المسيحية ظلت غريبة على أهل مصرالأصليين(10)
وإنما انتشرت بين الغرباء عن الأصول المصرية من اليهودواليونان. يقول "جاك تاجر" في كتابه مسلمون وأقباط ص(11)
ظلالشعب القبطي بعد انتشار المسيحية على يد الرومان والبيزنطيين يعبد
بحرارةآلهته الفرعونية، ويكرم آثار ماضية
التليد ... كما أنه لم يقبل المسيحيةإلا بتحفظ شديد، لأنها جاءته من
الخارج). يعرف
ذلك من بين سطور كتب التاريخ، فيذكر "الشماس منسي":
(أن بطرس الرسول
أتى مصر لتبشير اليهود المتشتتين فيها كما هي خدمته، فتقابل معه مرقس في مدينة
بابيليون التي فيها حرر رسالته الأولى)( 12). ومنالمعلوم تاريخيًّا أن مدينة بابيليون أقامها
اليهود القادمون من مدينةبابل الفارسية، واختصت بإقامتهم فيها، ولذا
أطلق عليها اسمهم. فالهدف الأساس إذًّا هو (خراف بني إسرائيل الضالة، وأما إلى طريق أمم
فلا يذهبوا)، ولذا كتب "مرقس" المبشر بالمسيحية في أرض مصر
إنجيله باليونانية (الإغريقية) التيكانت هي لغة اليهود في الإمبراطورية
الرومانية في ذلك الوقت، والتي كانتالتوراة ترجمت إليها في وقت سابق، فيما عرف
بالتوراة السبعينية أو الترجمةالسبعينية، والتي صارت نصًّا مقدسًا. ولذا اتخذ "مرقس" من الإسكندرية مقرًّا لخدمته، حيث كانت
حينذاك تعج باليهود، إضافة إلى اليونان وأجناس أخرى مختلفة من مصريين وحبش ونوبيين
وغيرهم. وتقول "بتشر" في تاريخ الأمة القبطية (1/45) أن: (اليهودبعد أن قمعت ثورتهم (كانت في
الفترة من 115م إلى 117م) في عهد الإمبراطورترجان؛ أصبحوا يعتنقون الديانة
المسيحية أفواجًا أفواجًا)،
فلعل ما ذكرته "بتشر" يكشف لِم يستنجد المتظاهرون منهم بشارون
وبوش؟ إضافة إلى كون البطريركالأول لكنيسة الإسكندرية بعد مرقص أنيانوس
(حنانيا) كان يهوديًّا( 13)وأمااليونان
(الإغريق) فقد دخلوا في الدين الجديد أفواجًا أفواجًا أيضًا، يقول
"منسي" ص(29):
(وفي عهد البابا أنيانوس نجحت التعاليم المسيحية، واتسعنطاقها، وتمذهب بها الكثيرون من أرباب
المناصب العالية والأكابر والأعيان،وبعض رجال الدولة)، وهؤلاء الأكابر وأصحاب
المناصب إنما كانوا إما منالإغريق أو الرومان. وتتضحالصورة أكثر إذا ما نظرت في قائمة أسماء آباء
كنيسة الإسكندرية، أو مديريالمدرسة اللاهوتية، فلا تجد غير الأسماء
اليونانية، فمثلًا "إكليمنضس" مديرالمدرسة اللاهوتية بالإسكندرية، تقول
"بتشر" في حقه: (اسم هذا الرجل الشهير هو
"تيطس فلافيوس إكليمنضس"، وفيه إشارة إلى وجود بعض الصلة بالعائلة
الإمبراطورية)( 14)، وللعلم فإن
"تيطس" هو اسم روماني خالص. وكذلكأستاذه بنتيوس وأول مدير لمدرسة اللاهوت كان
صقليًّا، وهكذا إذا استعرضتباقي القائمة لم تظهر إلا الأسماء ذات الصبغة
اليونانية (أوريجانوس،ألكسندروس، أثناثيوس، ديمتريوس، ... ألخ)،
واليهود كانوا قد درجوا في العصرالهيلينسي والروماني على استخدام الأسماء
الإغريقية والرومانية، بعكسالمصريين الخلص، أما أبناء الزيجات المختلطة
بين المصريين واليونان فكانتأسماؤهم إغريقية أيضًا.
ونظرًالغلبة
الجنس الإغريقي واليهودي على مسيحي مصر أصدر الإمبراطور ساويرس فيسنة
202م أمرًا يحرم فيه على رعاياه الدخول في الديانة المسيحية أواليهودية
في مستقبل الأيام( 15)، حيث كان يخشى الأباطرة
في ذلك الحين من أنتجمع هؤلاء رابطة الدين الجديد وتشجعهم للخروج عليه، إذ
أن اليهود كانوادائمي الثورة على الرومان، والإغريق كانوا ينقمون على
الرومان لأنهم سلبوهمملكهم وسلطانهم من وجهة نظرهم، وتلك الأسباب
هي التي جرَّت على المسيحيينمن اليهود واليونان الويلات والاضطهاد التي
لم يعانيها مسيحيوا روما وسائرمسيحيي الإمبراطورية، وذلك لانتفاء الأسباب
السابقة في حقهم( 16) وهكذاظلت المسيحية غريبة على الشعب المصري
وكهنتهم، الذين حرضوا الإمبراطورفاليريان على اضطهاد المسيحيين (257م-260م)
لما بينهم من العداء، وبخاصةإنكار الكهنة المصريين لمسألة الصلب (17)وأماالمصريون
الخلص من الفلاحين فلم يكن يأبه لهم، أي من السلطة أو الإغريق أواليهود،
ويؤكد ذلك ما وقع من اضطهاد عام للمسيحيين في الإمبراطورية لماكثرت
محاولات الخروج على السلطة في بلدان عدة بأنحاء المملكة، وربما عانتمصر منه
بصورة أشد من غيرها، وهو ما عرف باضطهاد "دقلديانوس" وتطلق عليهالكنيسة
عصر الشهداء؛ ولقد قاسى من هذا الاضطهاد علية القوم وأكابرهم، وكانمنهم
كبار موظفي وضباط الجيش والأغنياء، ومن المعلوم أن المصريين الخلصكانوا
محرومين من الخدمة في الجيش، أو تقلد الوظائف الرسمية بالدولة؛ ولذافطبقة
المسيحيين من العمال والفقراء والذي كان أغلبهم من المصريين لم يمسهمكبير
سوء
(18)الغرباء يكرهون أهل
البلاد على ترك ديانتهم
وحقيقة أن السوء قد مسالمصريين
الخلص من المسيحيين والوثنيين على حد سواء،حين أعلن الإمبراطورالروماني
"ثيوديوس" في عام 391م المسيحية ديانة رسمية، ولكن طبقًا لقانونالإيمان
النيقاوي، والذي ينص على تأليه المسيح: يقول "جاك تاجر في كتابه مسلمون
وأقباط" ص(11) أن: (مسيحيو مصر تركوا ديانة أجدادهم
مكرهين، لأن ديانة الفراعنة ومعابد الفراعنة وآلهة الفراعنة كانت تذكرهم بمجد مصر
في مختلف عهودها). أيأن
المصريين بداية من القرن الخامس إنما دخلوا في المسيحية مكرهين، حينماتم
الاستيلاء على معابدهم وحولت إلى كنائس وأديرة، تلك المعابد التي هي ملكللمصريين،
وليس لليونان واليهود فيها أي حق حتى وإن كانوا مسيحيين، حيثيقول 'جاك': (ولما زالت عبادة الأصنام، وكفت السلطة عن حمايتها، لم يستطع المصريون تلافي
المسيحية(19 ). هذابالنسبة
للوثنيين، أما المسيحيون من المصريين الخلص فحدث ولا حرج، حيثكانوا
يختلفون عن اليهود والإغريق في المعتقد وفي الأناجيل المعترف بها،يرشد
إلى ذلك مجموعة المخطوطات التي وجدت بالقرب من نجع حمادي بمحافظة قنا،التي تقع في أقصى جنوب مصر، وفي ذلك دلالته، إذ أنها
لم توجد بمدينةالإسكندرية ذات الأغلبية اليونانية والهوية الإغريقية،
أو في بطليمية (سوهاج)، أو إرسينوي (الفيوم)، أو غيرها من المدن التي كان يكثر بها أولئكالمسيحيون
الأغراب، وإنما وجدت في مدينة بعيدة عن السلطة المركزية، ويضعففيها
سلطان أولئك القائلين بالصلب وألوهية المسيح، في حين أن تلك المخطوطاتتهزأ من
تلك المعتقدات. ففيبعض مما ورد بمكتبة نجع حمادي القبطية عن موت يسوع
المسيح في كتاب (كشف) بطرس (Apocalypse of Peter) يقول الكتاب الذي لا يحتوي على فقرات مرقومة:
(وقلت ما هذا الذي أراه
يا سيدي؟ أهذا أنت نفسك الذي يأخذونه؟ وأنت الذيتمسكني بقوة؟ أو من هذا الشخص الذي يضحك
سعيدًا أعلى الشجرة؟ وهل هو شخصآخر الذي يخرقون يداه وقدماه؟ قالالمخلص لي: هذا الذي تراه على الشجرة يضحك
سعيدًا هو المسيح الحي، وهذاالذي يدقون المسامير في يديه وقدميه هو جسده
المادي الذي هو البديل، يوضعفي العار الذي بقي في شبهه، لكن انظر إليه
وانظر إلي، وعندما نظرت قلت: سيدي، لا أحد ينظر إلينا، دعنا نغادر هذا المكان).
وفيكتاب آخر
بعنوان "المقالة الثانية ليست الأكبر" يقول: (كان شخص أخر، أباهمالذي
شرب المرارة والخل، لم يكن أنا، ضربوني بالقصبة، كان آخر، سيمون الذيحمل
الصليب على كتفه، وكنت شخص آخر غير الذي وضعوا إكليل الشوك على رأسه،وكنت
أنا مبتهجًا في الأعالي فوق ثروة حاكمهم، ونسل خطاياهم ومجدهم الزائف،أضحك
لجهلهم). وفي كتاب آخر بعنوان "مقالة القيامة" فإن المسيح مات كأي شخص
آخر، ولكن روحه المقدسة هي التي لا يمكن لها أن تموت.
كما أنها لم تكن تزينبالصليب
الروماني الذي كان يمثل آله الإعدام لعقاب الخارجين على قانونها،وإنما
نقش عليها ما يقولون عنه بالصليب ذي الرأس البيضاوي، وهو ما كانمعروفًا
لدى المصريين بمفتاح الحياة، وأما أسماء الكتب فهي إنجيل المصريين،وإنجيل
تحتمس، وإنجيل يحمس، وهذه كما ترى أسماء مصرية خالصة، وليستيونانية
كالتي تطالعك في قوائم أسماء بطاركة الإسكندرية، إضافة إلى إنجيلفيليب
ويهوذا ومريم. فتلككانت
عقائد المصريين الخُلص وأناجيلهم، والتي اعتبرها كل من أوريجانوسوجيروم
أنها من الكتابات المزورة، ومع ذلك فقد بلغت الآفاق طيلة القرنالرابع،
(وهو ما عرف بمذهب أريوس)، تقول "بتشر": (أن الإنجيل الذي كان ينسبللمصريين
. نشر حينئذ في البلاد بكل حرية، وبدون أدنى معارضة من تلكالكنيسة
المسيحية(20)وقدتم دفن
تلك الكتب حين بدأ اضطهاد أهل ذلك المذهب، وذلك في بداية القرنالخامس
كما قدمنا آنفا، وعلى الرغم من قصر الفترة التي تمتع بها أصحاب ذلكالمذهب
من حرية؛ فقد برع من المصريين فيه الأسقف جرجس المعروف (باسم 'مارجرجس' وهو بالأساس أريوسي
المعتقد(21 ). وكان'للأريوسيين' بمصر ثلاث كنائس باسمه، والذي قتله الوثنيون
لشدته عليهم، وقد صُوِّرَراكبًا على ظهر جواد وتحت سنابكه تنين قد
أغمد فيه سيفه، في إشارة إلىتغلبه على "أثناسيوس" (صاحب قانون
الإيمان النيقاوي) بقوته ومهارته، ومنهذه الكنائس كنيسة مارجرجس المقامة داخل
أسوار القلعة الرومانية بمصرالقديمة، وكذا الكنيسة المقامة بمصر الوسطى
بسوهاج (بطليمية) وقد تغلب اسمالقديس الأريوسي المصري على الاسم اليوناني،
فصارت تدعى جرجا إلى يومناهذا((22 وماأن بدأ اضطهاد المصريين من أصحاب المذهب
الأريوسي حتى تم الاستيلاء علىتلك الكنائس من قِبل المسيحيين ذوي الأصول
اليونانية واليهودية. فهل يملك مسيحيو اليوم الشجاعة ويتقدموا لأهل البلاد من المصريين
بالاعتذار عما أصابهم من بلاء على أيدي أجدادهم، عمومًاو كما قلت فنحن بالسماحة المصرية المعهودة
والتي عمقها الإسلام نغلق ملفالماضي، ولا نبحث عن أصول أقوام مضى عليهم ما
يقرب من ألفي عام، سواءأكانوا مصريين أم إغريق أم يهود فالجميع
اليوم مصريون.
ولكن، كلمة أخيرة
إنعودة العرب لمصر هي عودة لنقاء العنصر لمن يبحث عن نقاء العنصر، حيث أنالعرب نصفهم مصري، إذا أن العرب هم من أبناء إسماعيل عليه السلام، الذي
هوبدوره ابن إبراهيم عليه السلام وهاجر رضي الله
عنها المصرية الخالصة.
كان النصارى هم سكان مصر الاصليين كما يقولون؟؟
أولاً نحن بالسماحة المصرية المعهودة والتي
عمقها الإسلام نغلق ملف الماضي، ولا نبحثعن أصول أقوام مضى عليهم ما يقرب
من ألفي عام، سواء أكانوا مصريين أم إغريقأم يهود فالجميع اليوم مصريون
ولكن البعض يقوم باستصناع
التاريخ وتزييفه؛ مما يوقعه في التناقض العلمي والتاريخيو لتحديد هويته اختار لنفسه نسبة "إيجي أو إيجه"، أقامها على فكرةأسطورية
تزعم اختلاف الأصل العرقي بين المسيحيين والمسلمين، معتمدًا قراءةتاريخية
مفادها أن المسلمين هم أحفاد الغزاة العرب المتوحشين، وبعد فتحهملمصر
تزاوجوا مع أعداد كبيرة من سكان مصر المسيحيين، بالإضافة إلى تحول جزءآخر من
المسيحيين إلى الإسلام بسبب عجزهم عن دفع الجزية. وهكذاتستمر تلك الرؤية، حتى تخلص إلى أن سكان مصر
الحاليين من مسيحيين همالسكان الأصليون للبلاد، والذين تعود أصولهم
بدون أي «شوائب» عرقية إلىالمصريين القدماء، أصحاب الحضارة الفرعونية،
بينما لا يتمتع مسلمو مصر بهذا
«النسب العريق»
بسبب إختلاطهم.وتمضيالأسطورة حتى تصور القوم أنفسهم، وكلاء عن
شعب مصر في ماضيه وحاضره، كمازينت لهم الأساطير أن شعب مصر كان على ما هم
عليه من اعتقاد اليوم، كماتزين لهم اليوم أعدادًا وأحوالاً وأهوالاً،
ليس لها واقع إلا في أذهانهم.
فماهي الحقيقة؟ وماهي الطبيعة السكانية لمصرفي ذلك الزمان؟ كم كان عدد
المصريين حين الفتح الإسلامي؟
نقاء العنصر
على الرغم من عنصريةالفكرة
وسخافتها، ورفضها دينيًّا وحضاريًّا؛ إلا أنها لا تخدم مسيحييبلادنا
في دعواهم، فقد اختلط المصريون بشعوب شتى من المناطق المجاورة لهم،فلم يكن
كل من كان يعيش في مصر قبل دخول الإسلام من أصل فرعوني، فسكان مصركانوا
عبارة عن خليط من أجناس وأديان وأعراق عدة، وأغلبهم كان من الإغريقواليهود،
بالإضافة إلى أعداد من آسيا الصغرى، وكذلك العرب. يقول المؤرخ د."محمد شفيق غربال"
في كتابه"تكوين
مصرعبرالعصور"، ص (14): (أعنيبالمصري: كل رجل يصف نفسه بهذا
الوصف، ولا يحس بشيء ما يربطه بشعب آخر،ولا يعرف وطنًا له غير هذا الوطن،
مهما كان أسلافه غرباء عن مصر في واقعالأمر)،
ثم يقول في بيانه للأسلاف،ص (27) إنهمالإغريق، واليهود،
ومَن إليهم من الغرباء).يؤكدذلك ما هو ثابت من كون اليهود، والإغريق
كانوا يعملون كمرتزقة في جيش "أبسماتيك الثاني" (593-589 ق.م)، إضافة
إلى أن ملوك الأسرة السادسةوالعشرين، الذين كان أبسماتيك ينتمي إليهم،
ذوو أصول ليبية( 1)، وقد عُرفعصرهم بالعصر الصاوي؛ نسبة إلى "صالحجر".
ويذكر د.مصطفى عبد العليمأن:
(ملوك العصر
الصاوي، كانوا يشجعون الأجانب على القدوم إلى مصر؛ للاشتغال بالتجارة والجندية(2).وقد وقف أولئك اليهود،الذين
كانوا يتمتعون بتمام الحرية، موقفًا سلبيًّا من المصريين حين الغزوالفارسي(525
ق.م) لها،وكذلك حين شاركوا في إخماد ثورة المصريين ضدالفرس(3
)، وأما الإغريق فقد رحبوا " بالإسكندر"،واحتفوا
به حال دخوله لمصر عام (332ق.م)؛ مما أوغر صدور المصريين ضدهم،ولذا لم
يقبلوا الديانة المسيحية التي جاءتهم على يد المبشرين اليهودواليونان. وما أن دخل
"الإسكندر الأكبر" مصر؛ حتى حرص على فتح أبوابها للمهاجرين الإغريق،
خاصة المقدونيين( 4)، وعلى الرغم من قصر
الفترة التي قضاها بمصر، إلا أنها حولت مصر إلى فلك الحضارة الإغريقية.
ثم قام
"بطليموس"
(305ق.م)، من بعده
بإنشاء مدينة جديدة في صعيد مصر؛ ليوطن فيها الجنودالمسرحين المقدونيين ... ومكانها الآن
المنشأة بمحافظة سوهاج، ... وقد أقامهذه المدينة؛ لكي تكون مركزًا لنشر الحضارة
الهيلينية في قلب مصر (5 )وقد فعلالروماننفسالأمر أيضًا؛ فقد كان الجندي بعد أن يقضي
حوالي ربع قرن في الخدمة، يقومبالتوطن في البلاد، وشراء الأراضي، وربما
الزواج أيضًا في أثناء الخدمة،إلا أن الاعتراف القانوني كان يتم بعد
الانتهاء من الخدمة بالجيش. وعندما تعلم أن مصر في عهد
"أوكتافيانوس"،كان بها
ما يزيد على اثنين وعشرين ألف جندي، وأنه انخفض في بعض الأوقاتإلى 16
ألف و11 ألف؛ فلك أن تتخيل كم أولئك الجنود الغرباء الذين استوطنوامصر على
مدار ألف عام؟! ـ 300 عام من حكم البطالمة، 320 عام تقريبًا من حكمالرومان،
325عام الحكم البيزنطي(6).ويذكر "بيللينى": (أن قبائل عربية كانت تعيش في
برنيقى؛ وهي ميناء على البحر الأحمر، يعود الفضل في إنشائها إلى "بطليموس
الثاني")( 7)، إضافة لما ذكره
"سترابون"
من أن مدينة
"فقط"، كانت تعد مدينة عربية. وهكذا،فإن مصر لم تعرف العنصرية منذ القدم، وامتزجت
بسماحتها مع جميع الأجناس،إلا أن الأكثرية كانت لليهود والإغريق
القادمين من جزر بحر إيجة، والذينبلغوا من الكثرة حدًّا جعلهم ينازعون
المصريين في بلادهم، وبخاصة الإغريقالذين قاموا بتغيير اسم البلاد من أرض مصر
إلى أرض "إيجي" ـ إيجبتوس ـ،وكذلك ما تم من تغيير لأسماء المدن، فمثلاً
"إرسنيوي" بدلاً من "الفيوم"،و"بانوبوليس"
بدلاً من "أخميم"، و"هيراكليوبوليس" بدلاً من "أهناسيا"،و"هرموبوليس"
بدلاً من "الأشمونين"، إضافة إلى "نوكراتيس"
و"بطلمية" وغيرهامن المدن؛ مما يبين لك مدى ما كان للإغريق من
غلبة على سكان مصر الأصليين،ويوضح عميق حزنهم وجرحهم من المسلمين حين
فتحوا مصر؛ فعادت لأهلها وفقدواما كانوا عليه من غلبة وتمييز.
كثرة اليهود والإغريق بمصر
تقول
"بتشر":
(أنسكان مصر قبل استيلاء الرومان على عليها؛ كانوا ثلاثة طوائف: اليونانواليهود والمصريين، وأن ذلك كان بسبب موجات الهجرة في العهد البطلمي،
حتىأصبح كل فريق منهم أمة أجنبية
مستقرة في البلاد، ممتازة بشريعتها ولغتها عنسواها(8).ولك أن تتخيل ذلك، عندما تعلم أن المؤرخ
اليهودي'يوسفيوس'ـ يوسف ـ ذكر أن عدد اليهود بمصركان لا يقل عن مليون
نسمة،في عهد"فلاكوس"،
حاكم مصر عام 38م؛ وقد تابعته على ذلك "بتشر" في كتابها "تاريخالأمة
القبطية" (1/، وأضافت في (1/38): (أنه في عام 70م، بعد سقوطالهيكل؛
اقتيد لمصر 97 ألف يهودي، ليعملوا في معادن مصر بالأخص، بالإضافةإلى عدد
غفير تبعهم، رجاء أن يجدوا عونًا لدى يهود مصر الأغنياء).
هذامع العلم أن "يوسفيوس"، قدر عدد
سكان مصر في ذلك الوقت بسبعة ملايين ونصف،أي أن ما يقرب من عشرين بالمائة من السكان
كانوا يهودًا ولم يكونوامصريين. وأماالإغريق
فكانوا أكثر عددًا من اليهود ولم يكونوا يرون أنفسهم أمة أجنبيةكما
تقول "بتشر"، بل منذ دخول الإسكندر لمصر؛ كانوا يرون أنفسهم أهل البلادوأصحابها؛
وقد كانت السلطة تتعامل معهم أيضًا من هذا المنطلق، (فكانوايتمتعون
بجميع أنواع الحريات في ذلك العصر؛ من حمل للسلاح، وعضوية المجلسالبلدي
الشعبي، وغيرها من الحريات)(9 )
أوضاع طبقات المجتمع المصري
وعلى الرغم من أنالإغريق
بعد دخول الرومان إلى مصر 31ق.م، وحتى الفتح الإسلامي قد فقدوابعضًا
من امتيازاتهم؛ إلا أنهم ظلوا في وضع أفضل من جميع السكان، ويليهماليهود،
فكانوا هم أصحاب المناصب والإقطاعات ـ أي الإغريق ـ، وكان يسمح لهمبالانخراط
في الجيش أحيانًا، وكان يتم إعفاؤهم من الجزية، وغير ذلك منالمزايا
على العكس من المصريين الخلص. ولذا حين
دعاهم "المقوقس" إلى مصالحة المسلمين على دفع الجزية أنفوا،
يقول "يعقوب نخلة": (أن "المقوقس" حين دعا قومه لمصالحة المسلمين
على دفع الجزية؛ قالوا له على وجهالإنكار: سنكون عبيدًا لهم؟! فأجابهم بقوله:
نعم تكونون عبيدًا مسلطين في بلادكم، آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم( 10). ولايأنف من دفع الجزية إلا من لم تكن هناك جزية
مقررة عليه، خاصة أنه منالمعلوم أن "المقوقس" كان يدفع للروم تسعة عشر ألف ألف دينار ـ
19مليون ـ،وكان يجبيها من المصريين عشرون مليونًا؛ أما"عمرو
بن العاص" رضي
الله عنه، فقدر مقدار الجزية التي فرضها هو عشرة ملايين. فما الفارق بين أن تدفع
"لعمرو" المسلم، أو تدفع "لهرقل" الهرطوقي،
أو "لكسرى" الفارسي
عابد النار؛ خاصة وأن ما تدفعه " لعمرو" أقل؟
القنبلة المدوية الأن********* ( الهوية الحقيقية لمسيحي مصر )
وهذا يقودنا إلىالحقيقة
المقررة تاريخيًّا وتخفى على الكثير من المصريين، وهي ما يصرح بهكل من
لوفيفر وشميدت وشولتز على أن المسيحية ظلت غريبة على أهل مصرالأصليين(10)
وإنما انتشرت بين الغرباء عن الأصول المصرية من اليهودواليونان. يقول "جاك تاجر" في كتابه مسلمون وأقباط ص(11)
ظلالشعب القبطي بعد انتشار المسيحية على يد الرومان والبيزنطيين يعبد
بحرارةآلهته الفرعونية، ويكرم آثار ماضية
التليد ... كما أنه لم يقبل المسيحيةإلا بتحفظ شديد، لأنها جاءته من
الخارج). يعرف
ذلك من بين سطور كتب التاريخ، فيذكر "الشماس منسي":
(أن بطرس الرسول
أتى مصر لتبشير اليهود المتشتتين فيها كما هي خدمته، فتقابل معه مرقس في مدينة
بابيليون التي فيها حرر رسالته الأولى)( 12). ومنالمعلوم تاريخيًّا أن مدينة بابيليون أقامها
اليهود القادمون من مدينةبابل الفارسية، واختصت بإقامتهم فيها، ولذا
أطلق عليها اسمهم. فالهدف الأساس إذًّا هو (خراف بني إسرائيل الضالة، وأما إلى طريق أمم
فلا يذهبوا)، ولذا كتب "مرقس" المبشر بالمسيحية في أرض مصر
إنجيله باليونانية (الإغريقية) التيكانت هي لغة اليهود في الإمبراطورية
الرومانية في ذلك الوقت، والتي كانتالتوراة ترجمت إليها في وقت سابق، فيما عرف
بالتوراة السبعينية أو الترجمةالسبعينية، والتي صارت نصًّا مقدسًا. ولذا اتخذ "مرقس" من الإسكندرية مقرًّا لخدمته، حيث كانت
حينذاك تعج باليهود، إضافة إلى اليونان وأجناس أخرى مختلفة من مصريين وحبش ونوبيين
وغيرهم. وتقول "بتشر" في تاريخ الأمة القبطية (1/45) أن: (اليهودبعد أن قمعت ثورتهم (كانت في
الفترة من 115م إلى 117م) في عهد الإمبراطورترجان؛ أصبحوا يعتنقون الديانة
المسيحية أفواجًا أفواجًا)،
فلعل ما ذكرته "بتشر" يكشف لِم يستنجد المتظاهرون منهم بشارون
وبوش؟ إضافة إلى كون البطريركالأول لكنيسة الإسكندرية بعد مرقص أنيانوس
(حنانيا) كان يهوديًّا( 13)وأمااليونان
(الإغريق) فقد دخلوا في الدين الجديد أفواجًا أفواجًا أيضًا، يقول
"منسي" ص(29):
(وفي عهد البابا أنيانوس نجحت التعاليم المسيحية، واتسعنطاقها، وتمذهب بها الكثيرون من أرباب
المناصب العالية والأكابر والأعيان،وبعض رجال الدولة)، وهؤلاء الأكابر وأصحاب
المناصب إنما كانوا إما منالإغريق أو الرومان. وتتضحالصورة أكثر إذا ما نظرت في قائمة أسماء آباء
كنيسة الإسكندرية، أو مديريالمدرسة اللاهوتية، فلا تجد غير الأسماء
اليونانية، فمثلًا "إكليمنضس" مديرالمدرسة اللاهوتية بالإسكندرية، تقول
"بتشر" في حقه: (اسم هذا الرجل الشهير هو
"تيطس فلافيوس إكليمنضس"، وفيه إشارة إلى وجود بعض الصلة بالعائلة
الإمبراطورية)( 14)، وللعلم فإن
"تيطس" هو اسم روماني خالص. وكذلكأستاذه بنتيوس وأول مدير لمدرسة اللاهوت كان
صقليًّا، وهكذا إذا استعرضتباقي القائمة لم تظهر إلا الأسماء ذات الصبغة
اليونانية (أوريجانوس،ألكسندروس، أثناثيوس، ديمتريوس، ... ألخ)،
واليهود كانوا قد درجوا في العصرالهيلينسي والروماني على استخدام الأسماء
الإغريقية والرومانية، بعكسالمصريين الخلص، أما أبناء الزيجات المختلطة
بين المصريين واليونان فكانتأسماؤهم إغريقية أيضًا.
ونظرًالغلبة
الجنس الإغريقي واليهودي على مسيحي مصر أصدر الإمبراطور ساويرس فيسنة
202م أمرًا يحرم فيه على رعاياه الدخول في الديانة المسيحية أواليهودية
في مستقبل الأيام( 15)، حيث كان يخشى الأباطرة
في ذلك الحين من أنتجمع هؤلاء رابطة الدين الجديد وتشجعهم للخروج عليه، إذ
أن اليهود كانوادائمي الثورة على الرومان، والإغريق كانوا ينقمون على
الرومان لأنهم سلبوهمملكهم وسلطانهم من وجهة نظرهم، وتلك الأسباب
هي التي جرَّت على المسيحيينمن اليهود واليونان الويلات والاضطهاد التي
لم يعانيها مسيحيوا روما وسائرمسيحيي الإمبراطورية، وذلك لانتفاء الأسباب
السابقة في حقهم( 16) وهكذاظلت المسيحية غريبة على الشعب المصري
وكهنتهم، الذين حرضوا الإمبراطورفاليريان على اضطهاد المسيحيين (257م-260م)
لما بينهم من العداء، وبخاصةإنكار الكهنة المصريين لمسألة الصلب (17)وأماالمصريون
الخلص من الفلاحين فلم يكن يأبه لهم، أي من السلطة أو الإغريق أواليهود،
ويؤكد ذلك ما وقع من اضطهاد عام للمسيحيين في الإمبراطورية لماكثرت
محاولات الخروج على السلطة في بلدان عدة بأنحاء المملكة، وربما عانتمصر منه
بصورة أشد من غيرها، وهو ما عرف باضطهاد "دقلديانوس" وتطلق عليهالكنيسة
عصر الشهداء؛ ولقد قاسى من هذا الاضطهاد علية القوم وأكابرهم، وكانمنهم
كبار موظفي وضباط الجيش والأغنياء، ومن المعلوم أن المصريين الخلصكانوا
محرومين من الخدمة في الجيش، أو تقلد الوظائف الرسمية بالدولة؛ ولذافطبقة
المسيحيين من العمال والفقراء والذي كان أغلبهم من المصريين لم يمسهمكبير
سوء
(18)الغرباء يكرهون أهل
البلاد على ترك ديانتهم
وحقيقة أن السوء قد مسالمصريين
الخلص من المسيحيين والوثنيين على حد سواء،حين أعلن الإمبراطورالروماني
"ثيوديوس" في عام 391م المسيحية ديانة رسمية، ولكن طبقًا لقانونالإيمان
النيقاوي، والذي ينص على تأليه المسيح: يقول "جاك تاجر في كتابه مسلمون
وأقباط" ص(11) أن: (مسيحيو مصر تركوا ديانة أجدادهم
مكرهين، لأن ديانة الفراعنة ومعابد الفراعنة وآلهة الفراعنة كانت تذكرهم بمجد مصر
في مختلف عهودها). أيأن
المصريين بداية من القرن الخامس إنما دخلوا في المسيحية مكرهين، حينماتم
الاستيلاء على معابدهم وحولت إلى كنائس وأديرة، تلك المعابد التي هي ملكللمصريين،
وليس لليونان واليهود فيها أي حق حتى وإن كانوا مسيحيين، حيثيقول 'جاك': (ولما زالت عبادة الأصنام، وكفت السلطة عن حمايتها، لم يستطع المصريون تلافي
المسيحية(19 ). هذابالنسبة
للوثنيين، أما المسيحيون من المصريين الخلص فحدث ولا حرج، حيثكانوا
يختلفون عن اليهود والإغريق في المعتقد وفي الأناجيل المعترف بها،يرشد
إلى ذلك مجموعة المخطوطات التي وجدت بالقرب من نجع حمادي بمحافظة قنا،التي تقع في أقصى جنوب مصر، وفي ذلك دلالته، إذ أنها
لم توجد بمدينةالإسكندرية ذات الأغلبية اليونانية والهوية الإغريقية،
أو في بطليمية (سوهاج)، أو إرسينوي (الفيوم)، أو غيرها من المدن التي كان يكثر بها أولئكالمسيحيون
الأغراب، وإنما وجدت في مدينة بعيدة عن السلطة المركزية، ويضعففيها
سلطان أولئك القائلين بالصلب وألوهية المسيح، في حين أن تلك المخطوطاتتهزأ من
تلك المعتقدات. ففيبعض مما ورد بمكتبة نجع حمادي القبطية عن موت يسوع
المسيح في كتاب (كشف) بطرس (Apocalypse of Peter) يقول الكتاب الذي لا يحتوي على فقرات مرقومة:
(وقلت ما هذا الذي أراه
يا سيدي؟ أهذا أنت نفسك الذي يأخذونه؟ وأنت الذيتمسكني بقوة؟ أو من هذا الشخص الذي يضحك
سعيدًا أعلى الشجرة؟ وهل هو شخصآخر الذي يخرقون يداه وقدماه؟ قالالمخلص لي: هذا الذي تراه على الشجرة يضحك
سعيدًا هو المسيح الحي، وهذاالذي يدقون المسامير في يديه وقدميه هو جسده
المادي الذي هو البديل، يوضعفي العار الذي بقي في شبهه، لكن انظر إليه
وانظر إلي، وعندما نظرت قلت: سيدي، لا أحد ينظر إلينا، دعنا نغادر هذا المكان).
وفيكتاب آخر
بعنوان "المقالة الثانية ليست الأكبر" يقول: (كان شخص أخر، أباهمالذي
شرب المرارة والخل، لم يكن أنا، ضربوني بالقصبة، كان آخر، سيمون الذيحمل
الصليب على كتفه، وكنت شخص آخر غير الذي وضعوا إكليل الشوك على رأسه،وكنت
أنا مبتهجًا في الأعالي فوق ثروة حاكمهم، ونسل خطاياهم ومجدهم الزائف،أضحك
لجهلهم). وفي كتاب آخر بعنوان "مقالة القيامة" فإن المسيح مات كأي شخص
آخر، ولكن روحه المقدسة هي التي لا يمكن لها أن تموت.
كما أنها لم تكن تزينبالصليب
الروماني الذي كان يمثل آله الإعدام لعقاب الخارجين على قانونها،وإنما
نقش عليها ما يقولون عنه بالصليب ذي الرأس البيضاوي، وهو ما كانمعروفًا
لدى المصريين بمفتاح الحياة، وأما أسماء الكتب فهي إنجيل المصريين،وإنجيل
تحتمس، وإنجيل يحمس، وهذه كما ترى أسماء مصرية خالصة، وليستيونانية
كالتي تطالعك في قوائم أسماء بطاركة الإسكندرية، إضافة إلى إنجيلفيليب
ويهوذا ومريم. فتلككانت
عقائد المصريين الخُلص وأناجيلهم، والتي اعتبرها كل من أوريجانوسوجيروم
أنها من الكتابات المزورة، ومع ذلك فقد بلغت الآفاق طيلة القرنالرابع،
(وهو ما عرف بمذهب أريوس)، تقول "بتشر": (أن الإنجيل الذي كان ينسبللمصريين
. نشر حينئذ في البلاد بكل حرية، وبدون أدنى معارضة من تلكالكنيسة
المسيحية(20)وقدتم دفن
تلك الكتب حين بدأ اضطهاد أهل ذلك المذهب، وذلك في بداية القرنالخامس
كما قدمنا آنفا، وعلى الرغم من قصر الفترة التي تمتع بها أصحاب ذلكالمذهب
من حرية؛ فقد برع من المصريين فيه الأسقف جرجس المعروف (باسم 'مارجرجس' وهو بالأساس أريوسي
المعتقد(21 ). وكان'للأريوسيين' بمصر ثلاث كنائس باسمه، والذي قتله الوثنيون
لشدته عليهم، وقد صُوِّرَراكبًا على ظهر جواد وتحت سنابكه تنين قد
أغمد فيه سيفه، في إشارة إلىتغلبه على "أثناسيوس" (صاحب قانون
الإيمان النيقاوي) بقوته ومهارته، ومنهذه الكنائس كنيسة مارجرجس المقامة داخل
أسوار القلعة الرومانية بمصرالقديمة، وكذا الكنيسة المقامة بمصر الوسطى
بسوهاج (بطليمية) وقد تغلب اسمالقديس الأريوسي المصري على الاسم اليوناني،
فصارت تدعى جرجا إلى يومناهذا((22 وماأن بدأ اضطهاد المصريين من أصحاب المذهب
الأريوسي حتى تم الاستيلاء علىتلك الكنائس من قِبل المسيحيين ذوي الأصول
اليونانية واليهودية. فهل يملك مسيحيو اليوم الشجاعة ويتقدموا لأهل البلاد من المصريين
بالاعتذار عما أصابهم من بلاء على أيدي أجدادهم، عمومًاو كما قلت فنحن بالسماحة المصرية المعهودة
والتي عمقها الإسلام نغلق ملفالماضي، ولا نبحث عن أصول أقوام مضى عليهم ما
يقرب من ألفي عام، سواءأكانوا مصريين أم إغريق أم يهود فالجميع
اليوم مصريون.
ولكن، كلمة أخيرة
إنعودة العرب لمصر هي عودة لنقاء العنصر لمن يبحث عن نقاء العنصر، حيث أنالعرب نصفهم مصري، إذا أن العرب هم من أبناء إسماعيل عليه السلام، الذي
هوبدوره ابن إبراهيم عليه السلام وهاجر رضي الله
عنها المصرية الخالصة.